وقفة تأمل فى أسبوع الآلام
نحتفل اليوم بفاتحة الأسبوع المقدس، أسبوع الآلام والفداء، أسبوع الموت والقيامة. أسبوع نتأمل فيه
سر قسوة الإنسان وفقدانه لإنسانيته وسر محبة الله ومقدرته على التخلي عن لاهوته. نقف حائرين ومتأملين أمام عدد من المشاهد المتناقضة..
اليوم نرى الجموع مهللة، مبتهجة، مرحبة وهاتفة :"هوشعنا لابن داؤود ! مبارك الآتي باسم الرب". ويا له من تناقض غريب عندما نرى الجموع عينها وبعدها بأيام قلائل، وهم ذاتهم الذين قدموا للاحتفال بالفصح في المدينة المقدسة، يصرخون بغضب وكراهية وحقد ضد ذاك الذي كانوا بالأمس يريدون تنصيبه ملكاً عليهم : "إصلبه
إصلبه، أقتله أقتله"!! .
نادر الطوال – مادبا
اليوم نرى التلاميذ، الذين أتخيلهم كانوا يحمدون ويشكرون يسوع على أنهم تلاميذه، على اختياره لهم، على هذه الفرصة للبروز في دخوله المظفر لأورشليم. وها نحن نراهم بعد أيام قلائل يهربون عنه، ليس هذا فقط بل ويسلمه يهوذا وينكره بطرس ثلاث مرات ولا يبقى تحت الصليب منهم إلا يوحنا الحبيب!! .
أمام كل هذه التناقضات نتساءل : ما سبب خيانة الإنسان ؟
لا يجب أن نبحث بعيداً عن الجواب، يكفي أن ينظر كلّ منا بعمق إلى داخله. ولنقرأ كلمات النبي ارميا : " القلب أخدع كل شيء وأخبثه، فمن يعرفه ؟ " (إرميا 17، 9)
هذا التناقض و التخبط وهذه الخيانة الإنسانية التي تجلت واضحة في هذا الأسبوع المقدس ما هي إلا نقطة من نقاط نتأمل بها في أسبوع الآلام هذا، ولكنها ليست محور تأملنا.
فمحور تأملنا نجده في كلمات القديس بولس الرسول إلى أهل فيليبي :" هو الذي في صورة الله، لم يعدّ مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيليبي 2، 6-. ماذا يتعلم الإنسان من هذا التخلي وهذا التجرد لابن الله تعالى ؟ وهل هذا يكفينا ؟ يجيبنا عن هذا التساؤل أيضاً القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس : "ذاك الذي لم يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة من أجلنا كيما نصير فيه بر الله" . (2قورنتس 5: 21) .
في ضوء هذا التجرد والتخلي والألم والموت الذي عاشه ابن الله نكتشف ونفهم سر الله وأيضاً سر الإنسان. إذا نظرنا إلى مختلف أنواع المعاناة الإنسانية، وبخاصّة إلى أولئك الذين يعانون من دون ذنب، نبقى حيارى وتائهين ونرى أنفسنا نطرح العديد من التساؤلات .. لماذا يا رب ؟ لماذا أنا ؟ لماذا هو أو هي ؟ نتساءل هل الله حقاً يحبنا ؟ هل الله حقاً يعتني بنا ؟.. أو أن قدرنا هو أن نعيش هذا المصير المحتوم ؟؟!!
في صليب المسيح نتلمس صورة الله الحقيقية..
".. فما من أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا من أحد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له" (متى 11: 27).
في الصليب لا تفقد صورة الله جوهرها وعظمتها، لكن هذه الصورة تصبح وبشكل مذهل قريبة أكثر وصديقة أكثر للإنسان، لأنها صورة للآب الذي، بابنه المصلوب، يشارك الإنسان حتى بأتعس وأظلم حالاته الإنسانية – الألم والموت.
لهذا نرى أنه من الصليب تنبعث قوة ورجاء بالتحرر من عبودية الموت والخطيئة لكل الجنس البشري . الصليب يغير مفهومنا ونظرتنا لمأساة الألم وسر الألم ، الذي هو بالنهاية مأساة حياتنا الإنسانية وسرّها. بالصليب لا يتم إلغاء الألم ، لكن تتبدل نظرتنا الإنسانية له من حالة من التعاسة والظلم الإنساني الذي لا معنى له، إلى حالة من القوة والرجاء.
أمام يسوع المصلوب ، تسقط كل أوجه البراءة الزائفة للإنسان، هذه البراءة التي يمكن أن نخدع بها أخانا الإنسان ولكن لا نستطيع أن نخدع بها الله.
أمام يسوع المصلوب، لا وجود للتباهي الإنساني، لا وجود للـ "أنا" التي أستطيع بها لوحدي تغيير
العالم. لا يعني هذا أن نكون متشائمين، فاقدي الأمل. لكننا في اللحظة التي ندرك فيها أننا خليقة ضعيفة وخاطئة، نشعر بقوة وعظمة محبة الآب السماوي اللامتناهية لنا واحتضانه لكل واحدٍ منا، هذه المحبة التي هي أقوى وأعظم من الخطيئة والموت، حينها نصبح قادرين أن نكتشف، في مجريات حياتنا اليومية، وعلى بساطتها، معانٍ أغنى وأكمل للحياة والألم، وحينها نصبح قادرين أن نحوّل هذه اللحظات إلى ثمار توصلنا إلى الملكوت السماوي.
".. من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24).
يسوع المصلوب يوجه هذه الكلمات لكل واحدٍ منا، نحن أتباعه وتلاميذه. لكنّ بعضنا يصاب بالخوف والفزع، عندما يقرأ هذه الكلمات ، وبخاصّة في زماننا هذا ، الذي به نرى أن الألم والمعاناة لا فائدة منهما، بأن الألم شيء مُضر.. مُهلك .. هذه النظرة التي تمنعنا في الكثير من الأحيان من فهم معنى الألم، تمنعنا بالتالي من فهم معنى حياتنا المسيحية.
"تعالوا إليّ جميعاً أيها المرهقون المثقلون، وأنا أريحكم . احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم، لأن نيري لطيف وحملي خفيف" (متى 11: 28-30).
نعم .. إن صليب المسيح لا يُضعفنا ولا يُحبطنا، لكن على العكس، فمن الصليب نستمد قوة تتجدد فينا كل يوم، هذه القوة هي التي نراها تشع دائماً في سير القديسين ، هذه القوة هي التي أغنت ورافقت الكنيسة على مدى التاريخ.
في هذا الأسبوع المقدس لنثق بيسوع المصلوب، بيسوع القائم من القبر.. لنضع حياتنا بين يديه بكل ثقة، كما وضع هو حياته بين يدي أبيه السماوي.
نحتفل اليوم بفاتحة الأسبوع المقدس، أسبوع الآلام والفداء، أسبوع الموت والقيامة. أسبوع نتأمل فيه
سر قسوة الإنسان وفقدانه لإنسانيته وسر محبة الله ومقدرته على التخلي عن لاهوته. نقف حائرين ومتأملين أمام عدد من المشاهد المتناقضة..
اليوم نرى الجموع مهللة، مبتهجة، مرحبة وهاتفة :"هوشعنا لابن داؤود ! مبارك الآتي باسم الرب". ويا له من تناقض غريب عندما نرى الجموع عينها وبعدها بأيام قلائل، وهم ذاتهم الذين قدموا للاحتفال بالفصح في المدينة المقدسة، يصرخون بغضب وكراهية وحقد ضد ذاك الذي كانوا بالأمس يريدون تنصيبه ملكاً عليهم : "إصلبه
إصلبه، أقتله أقتله"!! .
نادر الطوال – مادبا
اليوم نرى التلاميذ، الذين أتخيلهم كانوا يحمدون ويشكرون يسوع على أنهم تلاميذه، على اختياره لهم، على هذه الفرصة للبروز في دخوله المظفر لأورشليم. وها نحن نراهم بعد أيام قلائل يهربون عنه، ليس هذا فقط بل ويسلمه يهوذا وينكره بطرس ثلاث مرات ولا يبقى تحت الصليب منهم إلا يوحنا الحبيب!! .
أمام كل هذه التناقضات نتساءل : ما سبب خيانة الإنسان ؟
لا يجب أن نبحث بعيداً عن الجواب، يكفي أن ينظر كلّ منا بعمق إلى داخله. ولنقرأ كلمات النبي ارميا : " القلب أخدع كل شيء وأخبثه، فمن يعرفه ؟ " (إرميا 17، 9)
هذا التناقض و التخبط وهذه الخيانة الإنسانية التي تجلت واضحة في هذا الأسبوع المقدس ما هي إلا نقطة من نقاط نتأمل بها في أسبوع الآلام هذا، ولكنها ليست محور تأملنا.
فمحور تأملنا نجده في كلمات القديس بولس الرسول إلى أهل فيليبي :" هو الذي في صورة الله، لم يعدّ مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيليبي 2، 6-. ماذا يتعلم الإنسان من هذا التخلي وهذا التجرد لابن الله تعالى ؟ وهل هذا يكفينا ؟ يجيبنا عن هذا التساؤل أيضاً القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس : "ذاك الذي لم يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة من أجلنا كيما نصير فيه بر الله" . (2قورنتس 5: 21) .
في ضوء هذا التجرد والتخلي والألم والموت الذي عاشه ابن الله نكتشف ونفهم سر الله وأيضاً سر الإنسان. إذا نظرنا إلى مختلف أنواع المعاناة الإنسانية، وبخاصّة إلى أولئك الذين يعانون من دون ذنب، نبقى حيارى وتائهين ونرى أنفسنا نطرح العديد من التساؤلات .. لماذا يا رب ؟ لماذا أنا ؟ لماذا هو أو هي ؟ نتساءل هل الله حقاً يحبنا ؟ هل الله حقاً يعتني بنا ؟.. أو أن قدرنا هو أن نعيش هذا المصير المحتوم ؟؟!!
في صليب المسيح نتلمس صورة الله الحقيقية..
".. فما من أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا من أحد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له" (متى 11: 27).
في الصليب لا تفقد صورة الله جوهرها وعظمتها، لكن هذه الصورة تصبح وبشكل مذهل قريبة أكثر وصديقة أكثر للإنسان، لأنها صورة للآب الذي، بابنه المصلوب، يشارك الإنسان حتى بأتعس وأظلم حالاته الإنسانية – الألم والموت.
لهذا نرى أنه من الصليب تنبعث قوة ورجاء بالتحرر من عبودية الموت والخطيئة لكل الجنس البشري . الصليب يغير مفهومنا ونظرتنا لمأساة الألم وسر الألم ، الذي هو بالنهاية مأساة حياتنا الإنسانية وسرّها. بالصليب لا يتم إلغاء الألم ، لكن تتبدل نظرتنا الإنسانية له من حالة من التعاسة والظلم الإنساني الذي لا معنى له، إلى حالة من القوة والرجاء.
أمام يسوع المصلوب ، تسقط كل أوجه البراءة الزائفة للإنسان، هذه البراءة التي يمكن أن نخدع بها أخانا الإنسان ولكن لا نستطيع أن نخدع بها الله.
أمام يسوع المصلوب، لا وجود للتباهي الإنساني، لا وجود للـ "أنا" التي أستطيع بها لوحدي تغيير
العالم. لا يعني هذا أن نكون متشائمين، فاقدي الأمل. لكننا في اللحظة التي ندرك فيها أننا خليقة ضعيفة وخاطئة، نشعر بقوة وعظمة محبة الآب السماوي اللامتناهية لنا واحتضانه لكل واحدٍ منا، هذه المحبة التي هي أقوى وأعظم من الخطيئة والموت، حينها نصبح قادرين أن نكتشف، في مجريات حياتنا اليومية، وعلى بساطتها، معانٍ أغنى وأكمل للحياة والألم، وحينها نصبح قادرين أن نحوّل هذه اللحظات إلى ثمار توصلنا إلى الملكوت السماوي.
".. من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24).
يسوع المصلوب يوجه هذه الكلمات لكل واحدٍ منا، نحن أتباعه وتلاميذه. لكنّ بعضنا يصاب بالخوف والفزع، عندما يقرأ هذه الكلمات ، وبخاصّة في زماننا هذا ، الذي به نرى أن الألم والمعاناة لا فائدة منهما، بأن الألم شيء مُضر.. مُهلك .. هذه النظرة التي تمنعنا في الكثير من الأحيان من فهم معنى الألم، تمنعنا بالتالي من فهم معنى حياتنا المسيحية.
"تعالوا إليّ جميعاً أيها المرهقون المثقلون، وأنا أريحكم . احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم، لأن نيري لطيف وحملي خفيف" (متى 11: 28-30).
نعم .. إن صليب المسيح لا يُضعفنا ولا يُحبطنا، لكن على العكس، فمن الصليب نستمد قوة تتجدد فينا كل يوم، هذه القوة هي التي نراها تشع دائماً في سير القديسين ، هذه القوة هي التي أغنت ورافقت الكنيسة على مدى التاريخ.
في هذا الأسبوع المقدس لنثق بيسوع المصلوب، بيسوع القائم من القبر.. لنضع حياتنا بين يديه بكل ثقة، كما وضع هو حياته بين يدي أبيه السماوي.